✍️متابعة وإنجاز : الصحفية سامية الزواغي ./
شكّلت زيارة رئيس مجلس إدارة جامعة الدراسات الأجنبية ببكين، وانغ دينغ هوا، إلى تونس في الفترة من 3 إلى 5 ديسمبر 2025، حدثاً بارزاً يعكس التقارب الأكاديمي بين مؤسسات التعليم العالي الصينية والتونسية. وأفضت هذه الزيارة على وجه الخصوص إلى توقيع مذكرة تعاون جديدة مع جامعة قرطاج،وفق ما صرح به رئيس مجلس ادارة الجامعة.
جامعة الدراسات الأجنبية ببكين، التي تعدّ بين أبرز الجامعات الصينية، ترتبط بتعاون عريق مع جامعة قرطاج، لكن توقيع مذكرة جديدة جاء في الحقيقة ليرتقي بمستوى التعاون في المجال إلى مرتبة الشراكة، كما عبّر رئيس مجلس إدارة الجامعة.
وأعلن أن هذه المذكرة تنص على عدة محاور، مثل إطلاق دروس مشتركة، وتبادل زيارات الأساتذة والطلبة، وتنفيذ مشاريع بحثية مشتركة في مجالات الدراسات الإقليمية والقطاعية، فضلاً عن تنظيم تبادلات ميدانية تسهم في تعزيز التقارب الأكاديمي بين الجانبين.
وأكد أن هذه الزيارة إلى تونس تهدف إلى تعزيز التعاون الأكاديمي والتعليمي، مضيفاً أنها تأتي ضمن جولة مغاربية وشمال إفريقية تشمل تونس والجزائر والمغرب، وتهدف إلى تعزيز التعاون الأكاديمي واستكشاف فرص جديدة للشراكات في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي.
وأشار "وانغ" إلى أن هذه الجولة تأتي في سياق اهتمام متزايد من الجامعة الصينية بتوسيع علاقاتها داخل القارة الإفريقية، التي تُعدّ اليوم إحدى القارات الأكثر أهمية على الصعيد العالمي، لافتاً إلى أن تونس تمثّل محطة رئيسية في هذه الزيارة لما تزخر به من مؤسسات تعليمية وجامعات ذات قيمة علمية اعتبارية.
وذكر رئيس مجلس إدارة الجامعة أن جامعة الدراسات الأجنبية ببكين تُعدّ من أبرز الجامعات الصينية، وأنها تهدف إلى إعداد موارد بشرية ذات كفاءة عالمية من خلال تدريس ما لا يقل عن 101 لغة أجنبية، تشمل لغات جميع الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية.
وتقدّم هذه الجامعة، إلى جانب تخصصات اللغات والثقافات، التدريس والتكوين في مسارات متعددة مثل العلوم السياسية والدراسات الإقليمية والموسيقى والإعلام والحقوق والذكاء الاصطناعي، مما يجعلها فضاءً أكاديمياً متكاملاً لإعداد كفاءات قادرة على العمل في محيط دولي يتسم بالتنوع.
وتحدّث "وانغ" عن تدريس اللغة العربية في الجامعة، مبيّناً أن هذا التخصص تأسس عام 1958، وقد تمكنت الجامعة عبر العقود من إعداد أجيال من المتخصصين الصينيين في اللغة والثقافة العربيتين، ممن ساهموا في دعم العلاقات الصينية العربية في مجالات السياسة والدبلوماسية والثقافة والاقتصاد والتعليم.
وأضاف أن الجامعة تعمل اليوم على تعزيز حضور هذا القسم وتطويره بما يتماشى مع توسع العلاقات الصينية العربية.
وفي جانب التعاون مع الجامعات التونسية، أوضح أن جامعة الدراسات الأجنبية ترتبط بشراكات قائمة مع عدد من المؤسسات الجامعية في تونس، من بينها جامعة سوسة وجامعة قرطاج.
وأعرب عن ترحيبه باستقبال الطلبة التونسيين في مختلف برامجها، مبرزاً أن التدريس في كلية الدراسات العربية يتم باللغة العربية التي يتقنها الطلبة التونسيون بطبيعة الحال، في حين تتوفر في بقية الكليات دروس باللغة الإنجليزية بما يسهل عملية الاندماج الأكاديمي للطلبة الأجانب.
وأشار "وانغ" إلى أن الجامعة الصينية تعمل على تمكين طلبتها من خوض تجارب ميدانية عابرة للثقافات عبر التدريب في مؤسسات وشركات داخل الصين وخارجها، وخاصة في إفريقيا، مبيّناً أن الجامعة أسست منصة للخدمة اللغوية العالمية تقدم خدمات في الترجمة والبحث العلمي للهيئات الحكومية والأكاديمية.
وأضاف أن جامعة الدراسات الأجنبية ببكين تقود آلية تعاون واسعة تضم 100 جامعة صينية وإفريقية، وقد بلغ عدد المؤسسات المشاركة حالياً حوالي 50 جامعة من كل جانب، بما فيها تونس، مع السعي إلى توسيع هذه المنظومة لتشمل جامعات أخرى من المنطقة المغاربية.
وفي حديثه عن تدريس اللغة الصينية في تونس، عبّر رئيس مجلس إدارة الجامعة عن سعادته بالإقبال المتزايد من الشباب التونسي على تعلّم اللغة الصينية، مشيرا إلى أن هذا الإقبال يعكس رغبة متنامية في فهم الثقافة الصينية وفي استثمار الفرص المستقبلية التي يتيحها التطور الاقتصادي الكبير في الصين.
وأوضح أن اللغة الصينية، رغم صعوبتها وخاصة في مجالي النحو والكتابة، يمكن إتقانها بالمثابرة والممارسة، مقدّماً أربع نصائح أساسية للطلبة التونسيين: الإكثار من التدريب مع الأساتذة والطلبة الصينيين، والاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي في المراجعة٨ الافتراضية.
وختم الدكتور "وانغ دينغ هوا" بأن جامعة الدراسات الأجنبية ببكين ملتزمة بتعميق تعاونها مع المؤسسات التونسية، وأن الآفاق المستقبلية للشراكة بين الجانبين واسعة، سواء في مجال تعليم اللغة الصينية أو في المجالات الأكاديمية والبحثية الأخرى، بما يعزز التواصل الثقافي والعلمي بين الشعبين الصيني والتونسي.
✍️ بقلم : **سامية الزواغي**
بتنظيم من جمعية منتدى قرطاج، انتظمت صباح الجمعة 5 ديسمبر 2025 الندوة العلمية الدولية بعنوان: "الشعر العربي الحديث والمعاصر بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة"، وذلك بحضور السيد حسان المناعي، رئيس جمعية منتدى قرطاج، والسيد جميل شاكر، المنسق العام للندوة، إلى جانب ثلّة من الأساتذة الجامعيين والشعراء والباحثين من تونس والعراق والجزائر والبحرين والمغرب.
شهدت الندوة سلسلة من الجلسات العلمية المتنوّعة التي تناولت محاور أساسية تتعلّق بتحوّلات القصيدة العربية في سياقها الحديث والمعاصر، وبموقعها في مهبّ الأشكال الشعرية الجديدة التي رافقت تطوّر الذائقة الأدبية العربية.
تطرّقت الجلسة الأولى إلى القصيدة العمودية، باعتبارها البناء الشعري التقليدي القائم على الصدر والعجز والقافية الموحدة، وإلى الخلفية التاريخية لتسميتها بهذا الاسم بعد ظهور أشكال شعرية حديثة مثل الشعر الحر وقصيدة النثر.
وقدّم المتدخلون قراءات تحليلية للتغيرات التي شهدها هذا الشكل الشعري، ومدى قدرته على التفاعل مع إيقاعات العصر.
وفي مداخلة معمّقة، تناول السيد فتحي النصري أساتذ تعليم عال بجامعة تونس والمختص في السرديات والشعر العربي الحديث موقف المجدّدين من الشكل العمودي، مستشهدا بتجربتي أمين الريحاني الذي دعا إلى التخلي عن الأوزان الشعرية التقليدية، ونازك الملائكة التي تمسكت بالتفعيلة معتبرة أن العمود يحدّ من حرية الشاعر ويقيده بقوالب صارمة.
وتواصل النقاش حول الفرق بين القصيدة التقليدية والحديثة، حيث تقوم الأولى على نظام الأبيات المتتالية، بينما تعتمد الثانية على تفاعلات عروضية ودلالية أكثر انفتاحا.
وقد اتفق المشاركون على أنّ القصيدة العمودية ما تزال حيّة وفاعلة، وقادرة على استيعاب التجارب الجديدة إذا ما أعيد النظر في طرق صياغتها وأدائها الفني.
وفي ورقة بحثية ثرية، قدمت الدكتورة سامية الدريدي، أستاذة التعليم العالي بجامعة تونس، قراءة في الأبعاد الخفية للعودة إلى القصيدة التقليدية، معتبرة أنّ هذه العودة تقوم على فرضية وجود أسباب معلنة وأخرى خفية .
فالشعراء الذين عادوا إلى العمود يبررون ذلك بالرغبة في خوض تحد فني، واستعادة الإحساس بالانتماء إلى التراث، والحاجة إلى إيقاع مضبوط ومتوازن.
غير أنّ هذه الأسباب وفق تحليلها تخفي أبعادا أعمق، على غرار النفور من صرامة قصيدة التفعيلة، أو انكفاء الذات على ذاتها بحثا عن جمالية ضائعة في زمن التحولات السريعة.
تتواصل فعاليات الندوة صباح غد السبت 6 ديسمبر 2025 في يومها الثاني، حيث سيتم التعمق في مناقشة الأشكال الشعرية المتنوعة، ومساءلة مقامات التلقي في ظل تحوّلات الممارسة الشعرية المعاصرة، مع استحضار تجارب شعراء من بلدان عربية مختلفة.
وينتظر أن تشهد الجلسات الختامية تقديم خلاصات بحثية تفتح آفاقا جديدة أمام الدارسين والمهتمين، مؤكدة أهمية اللقاءات العلمية في تعزيز الحوار النقدي وتبادل الخبرات بين المبدعين والباحثين، وترسيخ حضور الشعر العربي في فضاءات البحث الأكاديمي الحديث.