عناوين الأخبار:-

مهرجانات وحفلات

سهرة الجمعة 28 جويلية وفي سهرة استثنائية على ركح مهرجان قرطاج.. رؤوف ماهر يحلّق في سماء الفن والإبداع كان كل شيء يوحي بأن سهرة الجمعة 28 جويلية 2023 على ركح المسرح الأثري بقرطاج ستكون مختلفة واستثنائية جدا، وكيف لا تكون ونجمها فنان من طراز رفيع ، فنان سلاحه هويته التونسية الجنوبية، وميزته اعتزازه بتراثه وتمسكه بجذوره، صفات أكدها رؤوف ماهر في عرضه "صنديدة" الذي استقطب جمهورا غفيرا تحوّل بأعداد كبيرة الى المسرح الروماني. جمهور رؤوف ماهر كان متحمسا للقائه منذ الإعلان عن برمجته في الدورة السابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي، وهو ما يفسر الإقبال القياسي على تذاكره إذ غنى أمام شبابيك مغلقة .. جمهور مختلف عن باقي السهرات، حيث لم يقتصر على فئة عمرية معيّنة، ففي هذه السهرة القرطاجنية رأينا الشباب بحماسهم المفرط وكبار السنّ بهدوئهم والأطفال بتلقائيتهم، سهرة حضرها تونسيون من شمال البلاد الى جنوبها، اضافة الى جزائريين وليبيين وغيرهم من الجنسيات المغاربية والعربية، ولأن جمهوره كان متنوعا ومختلفا، أهداه رؤوف ماهر بداية سهرته موالا خاصا عنوانه " سلامات" الذي تغني فيه بكل ولايات الجمهورية التونسية مرورا بالأشقاء المغاربة والعرب وصولا الى فلسطين . رؤوف ماهر الذي أطل بالبرنس الجنوبي ( الوزرة) والشاشية التونسية، مسبوقا بفرقته وافرة العدد والتي ارتدى عناصرها أيضا الزي التقليدي الجنوبي، لم يغفل في عرضه عن أدق التفاصيل، حيث تزيّن ركح قرطاج بديكور بدوي انطلاقا من "بيت الشعر" وصولا الى القفة الجربية و"المرقوم"، كما صاحبته طيلة العرض فرق راقصة بملابس تقليدية اشراف "للّا زوينة"، إضافة الى مجموعة إحياء التراث بقصر الخراشفة ببني خداش، دون أن ننسى الكورال المتكوّن من المجموعة الصوتية حرايّر تونس بصفاقس، لوحة فسيفسائية ذات طابع تقليدي محملة بنفحات الجنوب التونسي حاملة إمضاء الفنان أنور الشعافي في الإخراج. للمرأة وللوطن وللأم وللأخت غنى رؤوف ماهر وتغنّى بـ"الصنديدة" فهزّ صوته القوّي مدارج المسرح الروماني، وعلى امتداد أكثر من ساعتين قدّم باقة من أجمل الأغاني مع حضور ركحي متميز ليبرهن أنه جدير فعلا باعتلاء هذا الركح وبحب الجمهور الذي لم يخذله، حيث غنى معه ورقص بلا توقف وملأت الزغاريد أرجاء المكان احتفاء بابن الصحراء التونسية. ومن الأغاني التي تفاعل معها الحضور بشكل كبير أغنية "مولات القربة"، قبل أن يلهب رؤوف ماهر حماس الجمهور بأدائه لكوكتيل جربي مصحوبا بلوحات فولكلورية، وبنفس النسق والكاريزما والطاقة الإيجابية انتقل رؤوف ماهر من أغنية الى أخرى بسلاسة وبساطة حيث تميز في أداء أغنية "شطّ السويحل"، وتألق في أغنية "الخطافة" التي ردّدها معه الجمهور متقمصا دور الكورال . ولأن العرض يحمل عنوان "صنديدة" أهدى رؤوف ماهر هذه الاغنية الى كل التونسيات، ولعل ما زاد في جمال هذه الأغنية اللوحات الراقصة التي رافقتها، والأزياء الموشحة بالعلم التونسي، اضافة الى اعتلاء مجموعة من الفتيات الركح مرتديات لأزياء تعبر عن مهن معينة من الطبيبة الى المحامية وعون الأمن والمعلمة وغيرها من الإختصاصات التي تميزت فيها المرأة التونسية . وتكريما منه للأم، غنى رؤوف ماهر "الولادة"، واستضاف معه على الركح كاتب كلماتها الشاعر بلقاسم عبهول الذي رافقه في ادائها شعرا فكان ثنائيا متناغما ومنسجما.. مراوحة بين الشعر والغناء لاقت استحسان الحضور الذي حياهما بالتصفيق والهتافات. ومن المفاجآت التي قدمها رؤوف ماهر في هذه السهرة تكريمه لمجموعة من الفنانين والفنانات الذين رحلوا عن عالمنا، حيث غنى "جوك الخطابة" لمختار الغازولي، و"عزيز على أمه" لفايزة المحرصي، و"الفيزا" للطفي جرمانة، و"غريت بيا" لمنيرة حمدي، و"خاينة" لأشرف، و"عمي الشيفور" و"كرهبة كمال" لفاطمة بوساحة، و"ها الكمون منين" لقاسم كافي، وكلمسة وفاء منه لكل هؤلاء الذين غادرونا عرض رؤوف ماهر صورهم وأسماءهم على شاشة عملاقة، حركة نالت كل الاعجاب والتقدير ولعلها المرة الأولى التي يردّد فيها جمهور قرطاج كلمة "برافو" بكل حماس وتأثر . دون أن ننسى لمسة الوفاء التي أهداها نجم السهرة الى روح المطرب والملحن الليبي محمد حسن . لم تتوقف مفاجآت رؤوف ماهر عند هذا الحدّ، بل فاجأ الجميع بإهدائه أغنية خاصة الى كل المطلقات، مرّر من خلالها رسالة إنسانية مفادها أن المرأة المطلقة ليست بالمذنبة أو السيئة، بل هي امرأة لم يحالفها الحظ لا غير ولا بدّ للمجتمع أن يغيّر نظرته تجاهها . وبتأثر كبير أسر رؤوف ماهر الجمهور بغنائه موالا عن الأب، قبل أن يفاجئه بأداء كوكتال جزائري، تضمن أجمل أغاني الراي، وهي خطوة جريئة تحسب لصاحب "صنديدة"، كما أهدى رؤوف ماهر كل الحضور أغنية " الخوت"، مؤكدا أن النجاح الجماهيري الذي لاقاه عرض "صنديدة" على ركح قرطاج يعدّ أكبر هدية تلقاها وأكبر فوز له . ولأن الجمهور كان متشوقا لسماعها خير رؤوف ماهر إسدال الستار على سهرته القرطاجنية بأداء الأغنية الأكثر انتشارا مؤخرا وهي "عروبية" طالبا من الجمهور إشعال أضواء هواتفهم ليتحول المسرح الروماني الى لؤلؤة مضيئة، في مشهد يلخص نجاح عرض "صنديدة" جماهيريا وفنيا . لن نطيل الحديث لأن بعض الكلمات قد تعجز عن وصف سهرة من أجمل سهرات الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي دون مبالغة فرؤوف ماهر ذلك الفنان الذي اختار لنفسه طريقا خاصا سلكه بثبات قدم درسا في الفن والموسيقى المحملة بعديد الرسائل، موسيقى الوطن والإنسان والحب والفرح.
الموعد في سهرة "نوردو" واسمه الحقيقي مروان الجبالي، مغنّي وممثل وملحن وراقص أيضا، تلك هي الصفات التي اكتشفها جمهور الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي، الذي أقبل بأعداد غفيرة، الليلة الماضية (26 جويلية) على المسرح الروماني بقرطاج، لمتابعة عرض هذا المغني الشاب الذي سرعان ما سطع نجمه ليصبح واحدا من أكثر مغني الراب إنتاجا في تونس حيث أثبت في كل مرة أنه فنان متعدد المواهب، ويحتل المراتب الأولى مع كل أغنية جديدة يطلقها مثل "الأيام" وغيرها من الأغاني التي تحظى بمتابعة مكثّفة على اليوتيوب. دام العرض حواليْ ساعتيْن، وتألف من مجموعة من الأغاني الخاصة بهذا الفنان الشاب الصاعد الذي اشتهر بأدائه الغنائي المتميّز، ولم يتوقف عند أسلوب موسيقي واحد، بل واضب على تطوير أدائه الغنائي وتنويعه، وهي أغان تصنّف ضمن نمط الأفروبوب (الموسيقى الشعبية الافريقية). ووظف نوردو طاقاته الصوتية والموسيقية، فقدّم عملا فنيا متكاملا يجمع بين الموسيقى والغناء والكوريغرافيا. كما توفّرت فيه جميع مقوّمات العرض المتكامل أبرزها العناصر السينوغرافية. وصاحبته في هذا العمل مجموعة موسيقية تضمُ عازفين على الكمنجة والقيتار والباص والباتري إلى جانب آلات إيقاعية، بالإضافة إلى مجموعة من الراقصين عبّروا من خلال لوحاتهم الكوريغرافية عن مضمون الأغاني التي تنتصر للقيم الإنسانية الكونية السامية كالحرية والعدالة. وأضفى نوردو على العرض مؤثرات بصريّة وجمالية بدت متناسقة مع الموسيقى المقدّمة. وأدّى رفقة جمهوره "عربوش" التي استهل بها الحفل واختتمه بها، إلى جانب باقة مختارة من أغانيه التي لاقت صدى جماهيريا واسعا على الأنترنت منها بالخصوص "غريبة" و"أنا والليل" و"في الامان" ودارو بينا" و"ليّام" و"وحش كلاني" و""عينيّا" و"الأصحاب" و"يا دنيا". وبلغ إيقاع العرض ذروته مع أغاني "لا ماما" و"شوك العديان" و"عايش ليلي". وواصل نوردو حفله بالحماس نفسه من بداية العرض إلى نهايته، منتشيا بالنجاح الجماهيري منقطع النظير في أوّل اختبار له على ركح المسرح الروماني بقرطاج. وهو جمهور لم يهدأ له بال على مدى العرض وظلّ يردّد جميع الأغاني دون استثناء بصوت قويّ وحماسيّ، فلعب وظيفة الكورال. وعلّق نوردو على حفله في مهرجان قرطاج الدولي، خلال الندوة الصحفية التي تلت العرض مباشرة، بالقول إن هذا الصعود على ركح المسرح الروماني بقرطاج لا يعني أن حلمه قد تحقق، "بل يظلّ الحلم مستمرّا لاعتلاء هذا الركح ومصافحة الجمهور بأغانٍ أكثر نجاحا". وقال أيضا إنه توقّع حضورا جماهيريا كبيرا للعرض لكن ليس إلى حدّ امتلاء جميع المقاعد واكتظاظ المدرّجات على آخرها. ونفى نوردو في ختام الندوة الصحفية أيّ صلة لمهرجان قرطاج الدولي بالعطب الفني الذي طرأ على الصوت وجهاز المايكرفون خلال العرض، موضّحا أن مسؤولية العطب محمولة على عاتق الفريق التقني المرافق له. وكانت تجربة المغني نوردو انطلقت سنة 2006 مع المجموعة التي حمل اسمها لاحقا. ورغم حلّ المجموعة ظل نوردو متمسكا بأحلامه الفنيّة. وفي سنة 2010 أدّى مع بلطي أغنية "زوفري" التي تعرضت ألى القرصنة، ورغم ذلك واصل مشواره فتعددت تجاربه وتنوعت. وكانت 2020 سنة فارقة في مسيرته، حيث حقّق نجاحا باهرا على الساحة الفنية بفضل أغنيته "يا دنيا" التي حصدت أكثر من 105 مليون مشاهدة و"عربوش" التي شاهدها 187 مليون شخصا على يوتيوب. ٠
ليلة من ليالي "الزيارة"حوّل فيها سامي اللجمي مسرح قرطاج الأثري إلى "مزار" كبير تتسع حدوده من الركح لتبلغ آخر الصفوف على المدارج، طقس روحاني خالص تمتزج فيه رائحة البخور بضوء الشموع ورقصات التبرّك تمارسها أجساد تنشد النقاء وتطلب صفاء الروح... في عرض "الزيارة" الذي قٌدّم مساء الثلاثاء 25 جويلية ضمن برمجة الدورة السابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي كان كلّ شيء جاهز ليعيش الجمهور تلك الحالة الوجدانية الفريدة مع مجموعة تجاوزت عناصرها المائة بين منشدين وموسيقيين وراقصين وحاملي أعلام وآخرون لم نشاهدهم على الركح ولكننا استدلّينا على وجودهم من خلال تصميم تلك المشهديّة المتكاملة في التشكّل السينوغرافي وتوزيع متمّماته بدقة فنية مدروسة تتماشى مع سياق العرض وخصوصية لوحاته المتعاقبة، كل شيء جاهز ليقدّم سامي اللجمي عرضه الثامن بعد العشرين أمام جمهور أغلبه شاهد "الزيارة" أكثر من مرّة وفي أكثر من فضاء ومع كلّ عرض يكتشف التطوّر التدريجي واللمسات العصرية التي يضفيها المايسترو على هذا المشروع الفني الذي أكّد أنه يحمل ديناميكية داخلية تطلّبت بحثا طويلا ودراسة تقنية لتجديد الصورة العامة حتّى لا يموت "وما لا يتجدّد يموت بالضرورة". هكذا جاءت "الزيارة" مساء الثلاثاء 25 جويلة بتصوّر جديد وتوزيع معاصر لم يمسّ الجوهر ولم يشوّه ذلك المخزون التراثي الصوفي الذي اشتغل عليه اللجمي منذ 2013 فالمنطوق (نصوص الأغاني) هو نفسه لكن المتغيّر هو الصوت وطريقة الأداء والمناخ العام للعرض... بالتهليل والتكبير يسحب صانع "الزيارة" جمهور قرطاج لمربّع الإنشاد الصوفي شيئا فشيئا ومن الجهات الأربع للركح تنبعث رائحة البخور وتضاء الشموع وترفع الأعلام، تتعالى إيقاعات الدفوف وتهزج الحناجر إيذانا ببدء الزيارة من خلال "حزب البحر" و"صلاة الفاتح" و"نا جيت زاير" و"يا اهل الله قلبي بغاكم" و"عالباب دارك"... اكتملت العناصر لتلغي تلك المسافة بين الركح والمدارج، بين صنّاع العرض والجمهور بحيث صار الكلّ واحدا لا يتجزّأ مما جعل من الفرجة شيئا عصيّا على الوصف... يسير العرض بنسق هادئ يرتفع تدريجيّا ليبلغ ذروته مع الأناشيد والموسيقى وحركة الراقصين، ثم يعود من جديد للريتم الهادئ من خلال الذكّر المصاحب لإيقاع الكفوف قبل أن يتصاعد النسق من جديد وكأنّ الكلّ داخل حلقة في مزار كبير... لقد عمد مصمم العرض إلى تقسيم الركح بشكل فنّي دقيق ممّا يسمح للراقصين وناقري الدفوف ورافعي الأعلام بالخروج من الكواليس والعودة إليها بسلاسة ويسر دون تشويه المشهد البصري أو تشتيت الانتباه، ومما زاد من عناصر الفرجة خروج مجموعات الراقصين والراقصات وحاملي صواني الشمع من جانبي الركح صاعدين إليه في بعض اللوحات التي تحيل على قدوم الزوار إلى المقام على غرار مشهد العروس "المجللة" بالسنجق مع قريباتها الفتيات قبل ليلة الحنة للتبرّك بين يدي السيدة المنوبية... وغيرها من اللوحات التي تحيي العادات المتوارثة في المواسم والأفراح. منير الطرودي وأيمن بن عطية وإبراهيم الرياحي وأسماء أخرى أدت (منفردة) مجموعة من الأناشيد الصوفية التي تتطلّب مساحات صوتية واسعة تجتمع فيها القوة والعذوبة "حب النبي زين الصفات" و"راكب الحمراء" و"بالك تنساني يا بنيّت جمّال" و"نغارة"... وأغنيات أخرى تجاوزت الأربعين تفاعل معها الجمهور على امتداد العرض بالرقص المنسجم مع الحالة والزغاريد. الحدث في عرض "الزيارة" الثامن والعشرين صنعه التوزيع الجديد للأغاني باعتماد آلات موسيقية عصرية كالأورغ والباتري وألحان يمتزج فيها الجاز بالفلامنكو مع الطبوع التونسية والشرقية وصنعته السينوغرافيا بكل عناصرها ومتماتها كما صنعه خاصة الحضور النسوي متمثلا في روضة بن عبد الله كأول صوت نسائي يقتحم حلقة رجال الزيارة التي كانت على امتداد عشر سنوات حكرا عليهم، روضة غنّت "على الباب دارك" ودخلت الدار من الباب الكبير لتثبت جدارتها بالانتماء لهذا العالم الصوفي الرحب وهو ما أكّده سامي اللجمي خلال اللقاء الذي جمعه بالإعلاميين عقب العرض حيث ذكر أنه كان يبحث عن صوت نسائي بمقاييس معيّنة وكان الأمر أشبه بمعادلة رياضية صعبة لبلوغ توليفة منسجمة مع الأصوات الرجالية ولحسن الحظ وجد في صوت روضة "المليان" ما يبحث عنه واشتغل عليه كثيرا لبلوغ النتيجة التي أقنعته في النهاية، وفي نفس السياق أفادت روضة بن عبد الله أنها كانت تنظر إلى "الزيارة" من الخارج كمشروع فني وعرض ناجح بكل المقاييس فهو يقدم التراث بأسلوب محترم يجمع بين التراث وروح العصر بجمل موسيقية مختلفة "وبمشاركتي في هذا العرض عشت حالة خاصة من التجلي" وتمنّت مواصلة التجربة مع هذا الفريق المتميز والمتكامل. خلال اللقاء الصحفي بالمركز الإعلامي حضر محمد بوذينة منتج الزيارة وسامي اللجمي مخرجها وتحدّثا عن مشروع جديد قد يتم تنفيذه خارج تونس سنة 2025 عندما تتوفر إمكانيات الإنتاج وأكدا على أن "الزيارة" بكل نسخها منذ انطلاقتها في 2013 نُفّذت جميعها بتمويلات ذاتية، كما تحدثا عن جولة فنية لعرض "الزيارة" في مختلف التظاهرات الثقافية والفنية التونسية خلال هذه الصائفة.
استقبل جمهور ومتابعي الفنان احمد سعد على ركح مسرح قرطاج الأثري ليلة السبت 22 جويلية.ويبدو انها كانت ليلة مهمة في حياة ومسيرة الفنان المصري أحمد سعد، كيف لا وهو الذي اعترف بمجرّد صعوده على ركح قرطاج العظيم بتاريخه وبثقل الأسماء العربية والغربية التي اعتلته أنّ الغناء ضمن برمجة مهرجانه كان حلما انتظر سنوات ليراه واقعا مجسدا في سهرة اكتملت بها كل عناصر الجمال والدهشة، تلك الدهشة التي تملّكت أحمد سعد إلى حدّ البكاء وهو يرى جمهورا حضر بالآلاف سبقه في كلّ جملة موسيقية وكل مقطع من أغانيه. ولأنه كان واقعا تحت تأثير ما حدث في حفله بمدينة بنزرت والجدل الكبير الذي أُثير بعده عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي فكانت رغبته ملحّة في كتابة صفحة جديدة مع تونس وجمهورها تبدأ من هذا المساء القرطاجني الجميل، فكان الاعتذار من المرأة التونسية في قائمة أولوياته وقدّمه بأسلوب فنّي راق: "أنا لو سألت عن الجمال قالولي هي، هي الأصل والاحترام والشهامة... سألت عن اسمها؟ قالولي تونسية". اعتذار أنيق ليس لأنه تطاول على المرأة التونسية بل لأنه ظٌلم بتأويل خاطئ نزل أحمد سعد على الدرج إلى ركح قرطاج الذي تصدّرت خلفيته شاشة عملاقة تعرض مقتطفات من أنجح كليباته على إيقاع أغنيته "سكوت... سكوت" متفاجئا بهذا الجمهور الغفير الذي استقبله بأنوار هواتفه راسما لوحة غاية في الانسجام "الحفل ليس لمن غنّى فيه بل لمن حظر بهذا الجمال وهذا المستوى..." مرة أخرى وبأسلوب مغاير يعرب ابن النيل عن سعاته بهذا الجمهور وقدرته على الغناء بصوت واحد وإيقاع مٌعدّل كما لو أنه كورال مصاحب لفرقته ذات العشرة عازفين، فرحة لا توصف وانفعالات لم يسبق له أن عاش مثلها سطّرت نقطة مضيئة في مسيرة أحمد سعد الذي اعترف أنه كان يتابع أخبار عروض فنيّة أقامها زملاؤه بمهرجان قرطاج منتظرا دوره ليتحقق الحلم وتكتمل سعادته. "كل يوم بيفوت ويمشي" و"قادر أكمّل" و"يا عرّاف" و"وسّع وسّع" وأغنيات أخرى انتقاها من ألبوماته المختلفة أداها أحمد سعد مع جمهور سبقه إليها كلمة بكلمة ونغمة بنغمة ونفسا بنفس مما جعله يعتبر هذا الحفل تجربة فنيّة وإنسانية تركت في داخله أحلى الانطباعات "وكأن الجمهور يساندني بعد سوء التفاهم الذي حصل إثر حفل مدينة بنزرت". إلى جانب أغانيه الخاصة غنّى أحمد سعد لجمهور قرطاج "أكذب عليك" لوردة الجزائرية و"بحلم بلقاك" لذكرى محمد ومقطع من "ودارت الأيام" لأم كلثوم يرافقه نفس الكورال (الجمهور) الذي أدهشه على امتداد الحفل، تلك الدهشة التي تواصلت بعد السهرة وعبّر عنها خلال اللقاء الذي جمعه بممثلي وسائل الإعلام الوطنية والعربية "لأول مرة أواجه جمهورا يحفظ الأغاني أكثر من الفنان" وأضاف أن الأرقام شيء مهم في حياته والرقم الذي أضافه اليوم مهمّ جدا في مسيرته. وفي سؤال وٌجّه له عن عدم غناءه بعامية تونسية أجاب أحمد سعد أن قامات فنيّة تونسية موجودة بالمشهد الدرامي والسينمائي المصري يتكلمون اللهجة المصرية بطلاقة، ولأنه يتجنّب الخطأ في النطق ويحرص على أن يكون ما يقدمه صحيحا وعد بأن يفعل ما بوسعه ليتقن العامية التونسية ويقدّم هدية خاصة لهذا الجمهور في مشروع قادم "أكون سعيدا لو غنيت بالتونسي" أمّا عن أغنية "باحلم بلقاك" للراحلة ذكرى فقد ذكر أنه قدمها من باب الحب الكبير لصوتها وكتحية لفنّها وعندما ردّدها معه الجمهور أحسّ أن روحها تحلّق فوق سماء قرطاج سعيدة "بنا". أكثر من مرة أكّد أحمد سعد أنه لم يسئ للمرأة التونسية وأن التحية التي قدّمها لها في بداية الحفل لم يقصد بها ردّ الاعتبار فهي امرأة مميزة وكرامتها من الثوابت التي لا يجب الاقتراب منها، بل كانت التحيّة لرفع الالتباس وتجاوز سوء الفهم الذي حصل منذ أسابيع.
حلت المغنية العالمية "بويكا" في مهرجان قرطاج الدولي وكانت على موعد مع جمهوره الذي حضر بكافة وتفاعل معها فنيا بشكل رهيب وقد يصعب العثور على الكلمات المناسبة للحديث عن المغنية الاسبانية "كونشتا بويكا" ذات الأصول الافريقية وتحديدا غينيا الاستوائية، ولذلك فإن الحل الأنسب لاكتشافها عن كثب هو سماع صوتها المدوّي بأنماط موسيقية متنوعة على غرار الفلامنقو والجاز والسول والرومبا، منشدة السلام للعالم وللحرية والعدالة الإنسانية الكونية. ولم يفوّت جمهور مهرجان قرطاج الدولي في دورته 57 فرصة اللقاء لمصافحة "بويكا" الملقبة أيضا بصوت الحرية، فحضر بأعداد محترمة واستمتع بالعرض ورقص على إيقاعات الجاز والفلامنقو والرومبا. وأطلّت "بويكا" على ركح المسرح الروماني بقرطاج، الليلة الماضية (21 جويلية)، مرفقة بمجموعة موسيقية متألفة من أربعة عازفين على آلات الغيتار والباص والإيقاع والترومبات، فشكلت الإيقاعات الصادرة عن هذه الآلات تزاوجا بارعا بين موسيقات الفلامنقو والسول والجاز والرومبا. وامتزجت هذه الأنماط الموسيقية المتنوعة بصوتها المدوّي الذي ينضح بالحياة والحب رغم الألم والمعاناة، فهي تنحدر من عائلة فرّت من ديكتاتورية الحكم في موطنها الأصل غينيا الاستوائية ثم نشأت في أحياء فقيرة في اسبانيا حيث اختلطت بالفئات الفقيرة من الغجر ومدمني المخدرات وكذلك الفنانين والشعراء، وهذا ما جعلها تؤدي أغانيها بأحاسيس صادقة تختلج نفوس كل من يستمع إليها. وغنّت "بويكا" ما يناهز 15 أغنية من أشهر موسيقاها أمام جمهورها، فأدت "لا فالسا مونيدا" و"نو هابرا نادين أن الموندو" و"لاس سيمبلاس كوساس" و"منيا لولا" وغيرها من الأغاني التي لاقت صدى واسعا لدى عشاقها من جميع أنحاء العالم. وتترجم الأغاني استماتة "بويكا" في الدفاع عن الموروث الثقافي الإفريقي الذي شكله هذا الفسيفساء من الإيقاع المحرك للحياة والداعي إلى نشر قيم التسامح والقبول بالآخر. كما رسمت بذلك نسيجا احتفاليا إفريقيا بريشة غربية، وفتحت باب الحوار لتتلاقح مع الثقافات الأخرى. كما تعكس أغانيها دعوة للاحتفال بقيم الحياة وأسمى معاني الحب لتحقيق العدالة وتوحيد الشعوب ورفض أشكال الحروب التي تهدد السلم في العالم. واختتمت "بويكا" سهرتها بمقطع موسيقي احتفالي رقص على إيقاعاته الجمهور وغادرت على إثره هذه المغنية الركح بعد حفل حماسي لن يُمحى من ذاكرة المهرجان
ترقب احباء النجم "مرتضى الفتيتي "سهرته بمشاركة الفنان المغربي "دوزي لتتحول طوابير طويلة ليلة الاربعاء 19 جويلية الى المسرح الروماني بقرطاج قبل ساعات من انطلاق السهرة المشتركة . أما الأجواء بساحة المسرح فكانت على غير العادة، الجميع يتسابق من أجل الظفر بمكان مناسب يمكنهم من الاستمتاع بسهرة عنوانها "كسب الرهان" . "ليلة الجمهور" هكذا وصفها الفنان مرتضى الفتيتي الذي أطل بكامل أناقته مصحوبا بفرقته ومجموعة من الراقصين على درجة عالية من الحرفية والتناسق في الأداء . على أنغام أغنية "أنا اللي بغيت"، استهل مرتضى الفتيتي الجزء المخصص له من السهرة، ليؤكد ويثبت منذ الوهلة الأولى شعبيته وجماهيريته، حيث تفاعل معه الجمهور بشكل كبير وردّد معه كلمات الأغنية عن ظهر قلب. وبكلمات أغنيته "ما سمعوا كلامو" عاد مرتضى الفتيتي الى بداياته موجها تحية الى الملحن الطاهر القيزاني، ولأن كلمات هذه الأغنية تقول "غنّي معايا وردّد.. عمرو الذهب ما يصدّد" فمن الطبيعي أن يردّدها معه جمهوره الذي لم يخذله طيلة السهرة تصفيقا وهتافا ورقصا. سهرة لم يدّخر فيها الفتيتي مجهودا، حيث اكتملت فيها كل مقومات النجاح من صوت قوّي وحضور ركحي متميز وكوريغرافيا متناسقة وتقنيات ضوئية متطورة حيث زيّنت شاشات عملاقة ركح المسرح وهنا نستحضر ما صرّح به الفتيتي خلال ندوته الصحفية حيث أكد أنه استعد جيّدا لهذه السهرة وأن حلمه سيتحقق بتقديم عرض يلبي انتظارات الجمهور وبالفعل كان الفتيتي وفيا لكل هذه الوعود . وفي خطوة مفاجئة استقبل مرتضى على ركح قرطاج فنان الر اب سانفرا، الذي صاحبه في أداء أغنية "شدّة وتزول" قبل أن ينسحب ويفسح له المجال لمواصلة سهرته التي انتقل فيها من أغنية الى أخرى وقدم خلالها جديده الفني وهو عبارة عن أغنيتين الأولى "بورا بورا" والثانية "ما علاباليش" ومن ريبرتواره غنى الفتيتي " 2000 كتاب"، وأغنية "رايدة" التي تجاوزت 20 مليون مشاهدة على قناته باليوتيوب، قبل أن يطلب من الجمهور انارة هواتفهم الجوالة على موسيقى "آه يا ليل" ليتحول مسرح قرطاج الى فسيفساء جميلة. بهذه السهرة أثبت مرتضى الفتيتي أحقيته باعتلاء ركح مهرجان قرطاج الدولي وأنه فنان من طراز رفيع صنع لنفسه هوية فنية خارجة عن السائد، وأثبت أن للشباب مكانا على ركح قرطاج فقط لو توفرت فيهم العزيمة والإصرار والاجتهاد وحبّ الفنّ والتجديد . غادر مرتضى الفتيتي المسرح على وقع تصفيق حار وهتافات باسمه بعد عرض لم يتجاوز ساعة من الزمن محملا ببطاقة عبور الى عالم الكبار، ليفسح المجال الى النجم المغربي صاحب الصيت العالمي دوزي . قبل اعتلاء دوزي الركح، تم تقديم فقرة موسيقية شبابية أجّجت حماس الجمهور الذي لم يغادر المسرح الى نهاية الحفل. بلباسه الرياضي المعتاد وحيويته اللافتة للنظر استهل الفنان المغربي دوزي الجزء الثاني من السهرة بأغنية " أنا مغربي"، ونذكر أن هذه الأغنية عادت الى الصدارة بعد أزيد من تسع سنوات على طرحها وتخطت أرقاما قياسية في نسب الاستماع بكل دول العالم تزامنا مع الاحتفالات التي رافقت إنجازات المنتخب المغربي لكرة القدم في مونديال 2022 . بطريقة لا تخلو من ذكاء شدّ دوزي جمهور قرطاج بحديثه عن اللهجة التونسية وتمكنه من تعلّم بعض الكلمات الصعبة قبل أن يهديهم أغنية الفنان عبد الوهاب الحناشي " محبوبي مثلتك شجرة" التي رددها معه الجمهور. دوزي الذي لم يعوّل على فرقة موسيقية وافرة العدد، أسر الحضور برقصه وحركاته وصوته القويّ وليزيد من حماس الجمهور استقبل معه على الركح "دي جي" الذي رافقه في مختلف أغانيه . لم يكتف دوزي بريبرتواره الفني من " مريمة" و"باختصار" و"حاسدو" و"شوف شوف" و"لعيون عينيا"، بل أدى بامتياز أغنية "هي هي" لصاحبتها الأصلية الحاجة الحمداوية والتي عرفت بها الفنانة المغربية "شاما" . عبد الحفيظ الدوزي، الذي أكد خلال ندوته الصحفية أن اعتلاءه ركح مهرجان قرطاج الدولي تأخر كثيرا، أثبت مساء الأربعاء 19 جويلية أنه جدير بهذه السهرة وبهذا الركح . ختاما نستحضر ما قاله جلال الدين الرومي " دون حب .. كل الموسيقى ضجيج وكل الرقص جنون" ولأن الحب هو ما لمسناه في سهرة مرتضى الفتيتي ودوزي فلا موسيقاهما كانت ضجيجا ولا رقص الجمهور كان جنونا. في ندوته الصحفيةاشار مرتضى الفتيتي بقوله "حلمي يتحقق بتقديم عرض في مستوى مهرجان قرطاج ثم اضاف"حفلي بقرطاج يحملني مسؤولية كبيرة، واستعددت له بكل جديّة"، هكذا تحدث الفنان مرتضى الفتيتي عن عرضه المبرمج على مسرح مهرجان قرطاج الدولي مساء الاربعاء 19 جويلية، في سهرة مشتركة مع الفنان المغربي ''دوزي''. وأكد مرتضى الفتيتي خلال ندوة صحفية عقدت بالمركز الاعلامي بالمسرح الأثري بقرطاج، أن جزءا كبيرا من حلمه تحقّق بمشاركته في مهرجان قرطاج الدولي على أن يكتمل هذا الحلم بتقديم عرض في المستوى ويلبي انتظارات جمهوره الذي دعمه وسانده . وأشار الفتيتي الى أنه استعد جيدا لهذا العرض، حيث سيعتمد فيه على تقنيات متطورة منها ثلاثية الأبعاد اضافة الى شاشات عملاقة، موضّحا أن عرضه يضم 65 عنصرا من عازفين وراقصين من تونس وبلجيكا وفرنسا، كما بيّن أنه سيقدم انتاجاته الخاصة به والتي تناهز الـ48 أغنية وكشف أن الجمهور سيكون على موعد مع أغنيتين جديدتين . وفي اجابته عن أسئلة الصحفيين ذكر مرتضى الفتيتي أن أغانيه تحمل في طياتها عديد الرسائل وبعيدة كل البعد عن الطابع التجاري، حيث غنى عن الغربة والوطن والأب والحبيبة والفقر ومرض الزهايمر وغيرها من المواضيع الاجتماعية الهادفة، مبينا أن كل اغانيه تحمل بصمته في الألحان والكلمات . وذكر مرتضى الفتيتي أنه سبق أن غنى على ركح قرطاج كعنصر في الكورال، ثم غنى بفضاء الاكروبليوم الأثري، واليوم يغني في حفل مشترك مع الفنان المغربي دوزي، ويأمل أن تكون تجربته القادمة بحفل خاص به على ركح مهرجان قرطاج الدولي، مضيفا أن طموحه مشروع . في ندوته الصحفية دوزي : طالما حلمت باعتلاء ركح مهرجان قرطاج الدولي أكد الفنان المغربي عبد الحفيظ دوزي أن اعتلائه ركح مهرجان قرطاج الدولي تأخرا كثيرا، مقارنة بمسيرته الطويلة، وذلك خلال ندوة صحفية عقدت بالمركز الاعلامي بالمسرح الأثري بقرطاج . وفي نفس السياق ذكر دوزي أن سهرته المشتركة مع الفنان التونسي مرتضى الفتيتي مساء الاربعاء 19 جويلية في إطار فعاليات الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي ستحمل عديد المفاجآت والانتاجات الجديدة . وبيّن دوزي أن مهرجان قرطاج يعدّ محطة هامة في مسيرة كل فنان وانه طالما حلم باعتلاء ركحه، مشيرا الى أن جمهور قرطاج يتميز بذائقة فنية عالية. وعبر النجم المغربي عن سعادته بمشاركة الفنان مرتضى الفتيتي هذه السهرة خاصة وأن لديه أسلوب متميّز في الغناء واختيار الكلمات، وكشف أنه كان من المنتظر أن يقدما أغنية مشتركة لكن ونظرا لضيق الوقت تعذر عليهما ذلك ومن المنتظر أن يجمعهما ديو غنائي قريبا . وذكر عبد الحفيظ دوزي ّأن في رصيده 16 ألبوما وعشرات الأغاني "السينغل"، موضحا أنه لم يلتزم طيلة مسيرته الفنية بنمط موسيقي واحد حيث يؤمن بضرورة مواكبة العصر وانفتاح الشباب على الموسيقى العالمية . اما بخصوص أدائه مؤخرا لأغاني مشتركه مع فنانين من العالم العربي فأشار الى أن هدفه هو توسيع قاعدته الجماهيرية و قال :" الفنان الذي يرضى بالقليل مدة صلاحيته قصيرة" .

في اولى ليالي سهراته الفنية ليلة  14 جويلية 2023، دبت الحياة مجددا بالمسرح الروماني بقرطاج، كل شيء كان في الموعد وعلى أتّم الاستعداد لإعطاء شارة انطلاق فعاليات الدورة السابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي،  باعة المشموم التونسي .. حسناوات يوزعن الهدايا على الوافدين، جمهور من مختلف الأعمار والفئات يتسابق قبل انطلاق العرض للفوز بمكان مناسب يمكّنه من متابعة حفل الافتتاح ..
في تمام العاشرة ليلا ارتفع صوت النشيد الوطني الذي وقف له الجمهور "خشوعا"، ولعل ما زاد في جمالية المشهد الديكور الجديد، ديكور معاصر عبارة عن أعمدة مضيئة لم تفقد المسرح الأثري رونقه وطابعه الأثري.
حفل افتتاح كان بمثابة "محفل" تجسيما لذات الاسم الذي أطلقه عليه مخرجه الفنان فاضل الجزيري، الذي ما انفك منذ عرض "النوبة" مطلع تسعينات القرن الماضي، يبهر جمهوره ويلبي ذائقته الفنية ويصالح الأجيال الجديدة مع نبض أجدادهم، وهو ما سعى الى تحقيقه الجزيري في عرضه "محفل" دون وقوعه في فخّ استنساخ ما سبق من أعماله .
عرض فرجوي بالأساس أعاد فيه الجزيري بناء طقوس الأعراس البدويّة في مناطق مختلفة من البلاد التونسية مع تثمين هذا التراث اللامادي برؤية معاصرة، راوح فيها بين آلات تقليدية وأخرى معاصرة مستندا على تجربته وخبرته في الكتابة المسرحية والتوضيب الركحي والسيوغرافيا وهو ما لامسناه في قدرته على التحكم وإدارة قرابة 120 عنصرا بين عازفين ومنشدين وراقصين ومغنّين حيث وزع ركحه بطريقة قد تبدو في ظاهرها فوضوية لكنها في باطنها تعكس تفاصيل "المحفل" التونسي الذي لا يخلو من فوضى مستساغة.
 ففي ركح "محفل" الجزيري شاهدنا 30 عنصرا من الكورال الوطني وكورال أوبرا تونس بقيادة هيثم الحذيري، 10 راقصين قدموا لوحات مختلفة بقيادة هارون العياري و24 عازفا بقيادة نصر الدين الشبلي، وعلى ذات الركح شاهدنا الطبلة والدربوكة والبندير والزكرة والمزود والناي والقصبة الى جانب البيانو والغيتار والغيتار باس والباتري والكمنجة، أنماط فنية مختلفة وإيقاعات متنوعة راوحت بين الجربي، الفزاني، العلاَجي، الغيطة، السعداوي، الدرازي، بوزيقة، الشاوي، المربع، بو نوارة، الروك، البلوز، الجاز وغيرها
ولأن "المحفل" لا يخلو من خيالة وفرسان، أحضر فاضل الجزيري الى المسرح الروماني بقرطاج الفارس وحصانه في مشهد فرجوي حمل عنوان "شطحة الفارس سعداوي" ، وتماهيا مع تيمة العرض وهي العرس التونسي قدم الفنان محمد علي شبيل وصلة بعنوان "الجحفة".
تواصل "محفل" الجزيري مع الفنان نضال اليحياوي الذي أطل كعادته بزيه المميّز وأسلوبه الخاص، وأدى أغنية الراحلة صليحة "ساق نجعك" التي تفاعل معها جمهور قرطاج رقصا وغناء ليختم وصلته بأغنية "العين السودة" وهي من التراث التونسي، ولم يقتصر عرض "محفل" على الغناء فحسب بل تخللته عديد اللوحات الراقصة التي تتماشى والنمط الموسيقي .
ومن تراث الشمال الغربي وتحديدا الكاف تميز الفنان أنيس علوي بأداء أغنية "هزّي حرامك"، ليستلم عنه سامي الرزقي المشعل ويحط الرحال بجزيرة الأحلام جربة ويغني "واشي واشي".
في عرض "محفل اختار الجزيري تكريم الفنان الراحل اسماعيل الحطاب من خلال أغنيتي "بين الوديان " و "دزيتيلي " وهنا نشير الى أن اسماعيل الحطاب شارك ثلّة من الفنانين الشعبيين في عرض النوبة" على ركح مهرجان قرطاج سنة 1991 قبل أن يتوفى سنة 1994 .
تواصل العرض مع وصلات غنائية من التراث التونسي وأجواء الأعراس حيث أدى الفنان سامي كامل أغنية " مرّ فراقك" ومحمد علي شبيل " نحلم بخيالك" وفتحي الماجري "الليلة المحفل يعجبني" وأسامة النابلي "اركزي عالرملة" و هيثم الحذيري "سيدي عبد القادر، وبأسلوبه المتميز وحضوره الركحي وصوته القوي شدّ علي الجزيري جمهور قرطاج بأدائه لأغنية "بجاه الله"، قبل أن تأسره الفنانة آمنة الجزيري بأداء أغنية "زينة" ولعل ما زاد في جمال وصلتها الغنائية زيها التقليدي ( لحرام) وعزفها على آلة الطبلة حيث تفاعل معها الحضور بشكل كبير.
من مفاجآت "محفل" الجزيري مشاركة الفنان نور شيبة ، الذي أطل كعادته مصحوبا بعكازه، تحت وابل من التصفيق الحار من جمهوره الذي حياه نور بدوره وغنى له "يا حب شبيك"  و"برا روّح" بتوزيع غربي .
وعلى الايقاع "الشاوي" ألهبت فوزية الكافية حماس الجمهور، قبل أن يقتحم الفارس وحصانه مجددا مسرح قرطاج ويعلنا عن نهاية "محفل".
في عرض "محفل"، استحضر الفنان فاضل الجزيري أوجها من ذاكرتنا الفردية والجماعية، وغاص في طقوس الأعراس البدويّة مستلهما التراث الموسيقي الشعبي في مشهدية مختلفة قوامها العادات ولغتها الموسيقى.

أخبار مميزة

اليومية

« أبريل 2025 »
اثنين ثلاثاء الأربعاء خميس جمعة سبت الأحد
  1 2 3 4 5 6
7 8 9 10 11 12 13
14 15 16 17 18 19 20
21 22 23 24 25 26 27
28 29 30